بطل فلم وادي الدئاب

Thursday, November 21, 2013

تركيا وإسرائيل والصراع في "وادي الذئاب" 2013Turkey, Israel and the conflict in the "Valley of the Wolves"



لم يكن كاتب السيناريو التركي بهادير أوزدينير مؤلف سيناريو المسلسل التليفزيوني التركي الذي حمل اسم "وادي الذئاب ـ الشرك" يتخيل أو يتصور أن يتحول الرمز الذي أراده إلي حقيقة لم يقصدها، وأن يصبح "وادي الذئاب" الذي أراد من خلاله أن يكشف جانباً محدوداً من "إرهاب الدولة" الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، أطفالا ونساءً وشيوخاً دون تمييز، واقعاً يجسد الأنماط الحقيقية لتفاعلات القوي الإقليمية في إقليم الشرق الأوسط، وأن يتحول "الرمز" الذي أراده إلي عنوان لمعركة ضارية إسرائيلية ـ تركية تكشف أحد أنماط الواقع الذي يحكم الآن العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط. ليس فقط بين الذئاب و"الحملان" و"النعاج" التي يموج بها هذا الإقليم "الموازييك" في كل مكوناته وتفاعلاته، ولكن أيضاً بين الذئاب وبعضها.
وإذا كان صراع الذئاب مع الحملان والنعاج هو الصراع الطاغي علي مسرح إقليم الشرق الأوسط، فإن الجديد والأكثر إثارة الآن هو صراع الذئاب مع بعضها البعض (إسرائيل وإيران وتركيا) وهو نمط الصراع الجديد الذي يدور بين القوي الإقليمية الثلاث الكبري في الإقليم، ويختلف كثيراً في مشاهده عن "صراع الأفيال والسناجب" الذي كنت قد تصورته منذ سنوات نمطاً لتفاعلات ما أسميه بـ"النظام الإقليمي للخليج العربي".
إن ما أراد أن يقوله مسلسل "وادي الذئاب" أصبح هو المشهد الطاغي لأنماط تفاعلات إقليم الشرق الأوسط الذي تحول فعلاً إلي "وادٍ للذئاب" الإقليمية وبالذات القوي الإقليمية الثلاث المتصارعة والمتنافسة، كل بطريقتها، علي الزعامة والهيمنة في الإقليم، وهي تفاعلات قد يغلب عليها الرقص وفق أولويات وتوازنات إدارة الصراعات داخل الإقليم، لكنها تبقي دائماً مفعمة بدوافع الصراع الدامي الذي قد يحدث جزئياً في لحظات فلتان القدرة علي ضبط إدارة الصراع، ولعل هذه المشاهد المتبادلة بين الرقص والصراع الدامي ما يفسر جانباً كبيراً، وربما الجانب الأهم من "لغز" العلاقات التركية ـ الإسرائيلية.
- "تركيا وإسرائيل والعلاقات اللغز":
ربما يكون السبب الأساسي في الحديث عن وجود "لغز" في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية هو أولاً التحول المثير في مواقف تركيا من إسرائيل، وهي مواقف جديدة وغير معتادة تأتي مقرونة بتقارب لا يقل إثارة مع قوي إقليمية أخري منافسة لإسرائيل خاصة إيران وسوريا، وهو ثانياً الحرص التركي الذي ربما يبدو مبالغاً فيه علي استمرار وديمومة العلاقات مع إسرائيل، والحفاظ الدائم علي ما هو أكثر من "شعرة معاوية" بين البلدين.
هذا اللغز ليس فقط من نسج خيال العرب الذين أضحوا من فرط ضعفهم أشد تلهفاً علي موقف إقليمي أو دولي يناصرهم ويظهر العداء لإسرائيل، ولكنه أيضاً موجود وبقوة عند الإيرانيين أيضاً. فالعرب الذين راهنوا علي إمكانية أن تكون تركيا حليفاً إقليمياً لهم أو علي الأقل موازناً إقليمياً للقوتين المتنافستين إسرائيل وإيران، صدموا من فرط حرص تركيا علي علاقات قوية مع إسرائيل وإيران، وتزداد الحيرة عندما تضع تركيا كل هذا جانباً، وتواجه أي محاولة إسرائيلية لتجاوز الحدود والحقوق بقوة وكبرياء مثيرين لغيرة العرب. وفي كل الحالات فإن التفاعلات التركية مع إسرائيل تبقي التفاعلات التوازنية.
ولقد حرص رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان علي تأكيد هذا الموقف أو السياسة "التوازنية" التركية بين كافة دول الإقليم بما فيها إسرائيل، وبين علاقاتها الإقليمية في الشرق الأوسط وعلاقاتها مع اوروبا بقوله في طهران أن "تركيا لن تضحي بعلاقاتها مع الغرب لصالح التحالف مع الشرق. فناحية من وجهنا للغرب والأخري للشرق"، في رد علي سؤال عما إذا كانت مواقف بلاده الحادة تجاه إسرائيل إشارة لتحولها ناحية الشرق بعد عقود طويلة من الجفاء بين أنقرة العلمانية ومحيطها الإسلامي. لكنه لم يكتف بذلك وقال إن "أنقرة ستواصل علاقاتها مع إسرائيل ولكنها لن تقبل بأي ضغط (من إسرائيل أو حلفائها) من الخارج ليملي عليها مواقفها السياسية"، وفي الوقت نفسه أعلن أن "تركيا وإيران تستطيعان صوغ نظام إقليمي جديد يقلل حجم الفراغ (في المنطقة) ويضع حداً لمخططات الأعداء في الخارج".
أردوغان قال ذلك بعد توقيع اتفاقيات عدة في طهران في المجال التجاري بهدف زيادة التبادل التجاري بين البلدين من 12 مليار دولار سنوياً إلي 20 مليار في عامي 2010 ـ 2011 ولخص براق جزوجيرجين المتحدث باسم رئاسة الوزراء الذي رافق أردوغان في زيارته لطهران "29 أكتوبر 2009" التوجه الإقليمي الاستراتيجي التركي بقوله: "إن تركيا توسع من علاقاتها. ولا تغير منها. لدينا صداقات قوية مع سوريا والعراق وإيران وروسيا وجورجيا وأرمينيا واليونان وبلغاريا وغيرها. وهذا يعني أنه ليس لدينا أي موقف سلبي تجاه دولة ما. ولا نقبل لأنفسنا أن نصبح مع مجموعة ضد أخري. لسنا من مؤيدي سياسة المحاور".
وفي محاولة منه لحسم مدلول التوجه التركي الجديد نحو دول العالم العربي والإسلامي نفي أن يكون هذا التوجه علي حساب علاقات تركيا مع الغرب أو إسرائيل، وقال إن حكومته تسعي إلي تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادي لأن تبادل المصالح علي نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب. ولذلك نفي أردوغان بشدة مصطلح "العثمانية الجديدة" الذي حاول به بعض الكتاب تفسير التوجه التركي الجديد نحو الشرق في إيحاء إلي أن تركيا عائدة للقيام بدور قيادي في العالمين العربي والإسلامي من وحي التجربة العثمانية السابقة، واستعادة الكثير من وشائج العلاقات بين تركيا والعرب خلال سنوات تلك التجربة.
هذا يعني أن حكومة حزب العدالة والتنمية ليست من أنصار سياسة "إما. أو" أي إما أن تكون مع العرب والمسلمين وإما أن تكون مع الغرب وإسرائيل، ولكنها من أنصار سياسة أن تركيا مع مصالح تركيا، وهذه المصالح تفرض عليها أن تعي مدلول "العمق الاستراتيجي" الذي أبدعه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي شبه دول المنطقة "بالبيوت الخشبية" التي إذا اشتعلت النيران في أحدها سوف تنتقل حتماً إلي الأخري ما يفرض عليها أن تهتم بالسلام والتقدم والاستقرار في دول الجوار الإقليمي المحيط بها من كل الجوانب بقدر ما تهتم بالسلام والتقدم والاستقرار والحرية في تركيا، وهذا هو مضمون التوجه التركي نحو العالمين العربي والإسلامي وغيرهما من دول الجوار الإقليمي التركي.
أما العلاقة مع إسرائيل فهي من ناحية امتداد لهذا الإدراك، ولكنها من ناحية أخري تعبير عن وعي بأن إسرائيل حليف استراتيجي يمكن ترويضه لنسج علاقات تفيد تركيا وتوظف لمزيد من علاقات المصالح مع أوروبا والولايات المتحدة، لكن الجديد في هذه العلاقة هو بروز إدراك تركي جديد يري أن صمت تركيا علي أي تجاوز إسرائيلي بحق العرب والمسلمين سيؤثر علي مصداقية علاقة تركيا مع عالمها الإسلامي، وأن الشارع السياسي التركي لم يعد يقبل أي سياسة استكبار إسرائيلية ويفرض علي حكومته أن تكون مناوئة لأي من مؤشرات هذه السياسة الاستكبارية الإسرائيلية.
- "عودة إلي رقص الذئاب":
هذان الإدراكان هما المسؤولان عن دفع تركيا إلي ممارسة "الرقص مع الذئاب" في علاقاتها مع إسرائيل، مع الحرص الكامل علي أن يبقي الرقص رقصاً لا يتجاوزه إلي أنماط أخري دموية في العلاقات.
هكذا يمكن فهم الموقف التركي الرافض لجريمة الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة، ويمكن فهم انسحاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من مؤتمر دافوس الاقتصادي (30 يناير 2009) أثناء إلقاء شمعون بيريز رئيس الدولة الإسرائيلية كلمته، ويمكن أيضاً فهم إلغاء ترتيب مشاركة إسرائيل في مناورة "نسر الأناضول" الجوية السنوية، ويمكن أيضاً فهم تهديد رئيس الجمهورية التركية عبدالله جل بسحب السفير التركي من تل أبيب اعتراضاً علي الإهانة التي وجهها داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للسفير وإصرار تركيا علي ضرورة اعتذار إسرائيل للسفير التركي وللشعب التركي.
ففي أوج الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة نددت تركيا بهذه الحرب والجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، وطالب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في اجتماع مع قيادات حزبه "العدالة والتنمية" في "19 يناير 2009" مجلس الأمن بمعاقبة إسرائيل وقال: "الصمت الدولي في وجه تحدي إسرائيل القرارات الدولية غير مقبول، ويجب علي مجلس الأمن أن يفرض عقوبات علي إسرائيل لردعها عن الاستمرار في العدوان".
وفي رده علي الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في اجتماع دافوس وقبيل انسحابه من الاجتماع احتجاجاً علي عدم إعطائه المساحة الزمنية نفسها التي حصل عليها بيريز ليرد علي أكاذيبه بحق الشعب الفلسطيني، خاطب أردوغان بيريز: "أنت لست صاحب حق، وحجتك ضعيفة، لذلك اخترت أن ترفع صوتك بشكل غير دبلوماسي، ولكن الحقيقة تبقي أن "حماس" أطلقت صواريخ بدائية تسقط معظمها في مناطق مفتوحة، وأنتم قصفتم بيوتاً وهدمتموها فوق رؤوس أهلها من الأطفال والنساء، وأنه كان بالإمكان التوصل إلي تهدئة وسلام، وأنتم اخترتم طريق الحرب، إنكم يا سيادة الرئيس قتلة أطفال".
وفي تعليقه علي الاستقبال الحافل الذي استقبله به الشعب التركي عقب عودته من دافوس قال: "شعبنا ينتظر الرد نفسه من أي رئيس لوزراء تركيا" وأن القضية "قضية تقدير لبلادي ومكانتها، لذلك كان من الواجب أن يكون رد الفعل واضحاً، لم أكن أسمح لأحد بتسميم هذه المكانة الخاصة بكرامة بلادي". ونفي أردوغان في تعليق لاحق أن تكون انتقاداته لسياسة تل أبيب في مؤتمر دافوس الاقتصادي انعكاساً لتوترات تركية ـ إسرائيلية سابقة، مؤكداً أنها ناجمة عن الهجوم الإسرائيلي علي غزة.
لكن المسئولين الأتراك انقسموا فيما بينهم حول تفسير أسباب رفض أنقرة مشاركة إسرائيل في مناورات "نسر الأناضول" الجوية التركية، ففي حين أرجعت مصادر تركية هذا الرفض إلي اعتراض الأتراك علي تلكؤ إسرائيل في تسليم تركيا صفقة الطائرات بدون طيار من طراز "أهارون" التي تعاقدت عليها تركيا قبل أربعة أعوام، صدرت تصريحات أخري من داخل الحكومة التركية ربطته بالاحتجاج التركي علي الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة والقدس، وأعلن أردوغان أن بلاده استبعدت إسرائيل من المناورات "استجابة لضمير الرأي العام التركي الرافض أن تحلق الطائرات التي قتلت الأطفال والعزَّل في غزة فوق أرضه. يجب أن ننصت لرغبات شعبنا".
هذه الممارسات التركية لم تشأ إسرائيل أن تتركها تمر بسلام خصوصاً بعد إعلان تركيا عزمها علي إجراء مناورات عسكرية مشتركة موسعة مع سوريا بعد يومين فقط من استبعاد إسرائيل من مناورات "نسر الأناضول" الجوية، وإعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم عقب الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي السوري ـ التركي إلغاء تأشيرات دخول مواطني البلدين، فقد تعمدت إسرائيل توجيه إساءة بالغة إلي تركيا في شخص سفيرها في تل أبيب أحمد تشنيكول عندما استدعاه نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون إلي مكتبه وتعمد إهانته أمام الحضور المكثف الدبلوماسي والإعلامي بإجلاسه في مكان منخفض عن المكان الذي يجلس عليه واستبعاد العلم التركي من مكان اللقاء مكتفياً بعلم إسرائيل، وتجنب تقديم واجب الضيافة التقليدية، وتأنيبه علي عرض التليفزيون التركي لمسلسل "وادي الذئاب" الذي يتناول صراعاً بين المخابرات التركية والمخابرات الإسرائيلية ويظهر أفراد الأخيرة يخطفون الأطفال ويطلقون الرصاص علي الفتيات وكبار السن، وإبلاغه احتجاجاً رسمياً من الحكومة الإسرائيلية علي إذاعة هذا المسلسل.
هذه الإهانة وما رافقها من مساندة إعلامية لشخص أيالون وللسياسة الجديدة التي يسعي وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان إلي تشجيع الدبلوماسية الإسرائيلية عليها بالتعامل بـ"فظاظة" مع الغير والتوقف عن ما يسميه بـ"الانبطاح الدبلوماسي" ووجهت برد فعل تركي حاسم، الأمر الذي اضطر الحكومة الإسرائيلية إلي تقديم اعتذار علي لسان أيالون نفسه للسفير التركي وللشعب التركي وهو ما اعتبره رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية "انتصاراً دبلوماسياً" وأنه "يتضمن دروساً يتعين الاستفادة منها حول كيفية التحرك بشأن هذه المسائل" مضيفاً، في إشارة ذات مغزي لدول الجوار الإقليمي والعربي خاصة أن "الذين تعذر عليهم الاستفادة من هذه الدروس عليهم تحديد مواقفهم ومسيراتهم القادمة وفقاً لذلك"، وهي إشارة أضاف إليها مراد ماكين الكاتب التركي الشهير في صحيفة "راديكال" قوله إن "الإنذار الذي وجهه الرئيس (عبدالله جول) لإسرائيل صنع النهاية للعصر الذهبي لإسرائيل في المنطقة والذي كانت تفعل فيه ما يحلو لها من دون حساب أو خوف من عقاب حقيقي، وهو بداية لعصر جديد ستكابد فيه إسرائيل كثيراً لتعيد بناء صورتها من جديد".
هذا العقاب التركي لإسرائيل لم يحل دون مواصلة التعاون الاستراتيجي بين البلدين علي نحو ما تكشف من زيارة كل من ديفيد بن اليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي ومن بعده إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي لتركيا وهي زيارات أكدت هذا التعاون وحرص الطرفين عليه ضمن الضوابط التي منعت كلاً من رئيس الجمهورية عبدالله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من لقاء ايهود باراك في أنقرة مكتفيان بلقاءاته مع كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية.
وإذا كان الوزير بن اليعازر قد عاد من أنقرة ليتحدث عن مستقبل واعد للعلاقات بين تركيا وإسرائيل، وإذا كان باراك عاد في حالة انبهار من وصف وزير الدفاع التركي محمد وجدي جونول للعلاقات بين تركيا وإسرائيل بأنها "علاقات تحالف"، فإن هذا لم يمنع إسرائيل من مواصلة مسلسل تصفية الحسابات مع رجب طيب أردوغان وحكومته، ومن رفض قبول عودة أنقرة وسيطاً في مفاوضات جديدة بين إسرائيل وسوريا.
فأردوغان وحكومته متهمان بأن مواقفهما من إسرائيل نابعة أساساً من "المنظور الإسلامي الذي تطل من خلاله علي العالم، وهو بالضرورة منظور معادٍ للغرب وعلي رأسه إسرائيل". وقد بدأ التحريض الإسرائيلي ضد أردوغان عقب الملاسنة بينه وبين شمعون بيريز في دافوس من خلال قنوات عدة داخل تركيا وخارجها منها تحريض الجيش ضد أردوغان وحكومته، وتخويف العواصم الأوروبية من تداعيات "السياسة الأردوغانية" والعمل علي إقناع الولايات المتحدة بالاعتراف بارتكاب الأتراك "إبادة جماعية" بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولي حسب ما نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ويبدو أن الجهود الإسرائيلية للنيل من أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" قد أخذت تؤتي ثمارها، فتورط لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في إصدار قرار يصف المذابح التي ارتكبت ضد الأرمن من جانب القوات العثمانية في الحرب العالمية الأولي "إبادة جماعية" يمكن إرجاعه لأدوار قامت وتقوم بها إسرائيل داخل تركيا نفسها وبالذات في صفوف الجيش "حامي العلمانية" وأحزاب المعارضة وأيضاً داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وهي أدوار يمكن أن تتكشف حقائقها في فترة لاحقة وبالذات التحريض ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية علي أمل إسقاط الحزب في الانتخابات القادمة والتخلص منه باعتباره عقبة في طريق التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي ـ التركي.
هذا التحريض وصل إلي ذروته في التقرير الذي أعده "مركز البحوث السياسية" وهو الجهة المسئولة عن التقديرات الاستخباراتية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتم توزيعه علي اللجنة الوزارية السباعية التي أنشأها بنيامين نتنياهو لإدارة حكومته وبعض سفارات إسرائيل في الخارج. فقد لخّص هذا التقرير أحداث الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين إسرائيل وتركيا وركز علي اتهام أردوغان بالعداء للسامية من منطلق أن العداء لإسرائيل عداء للسامية، كما نص علي فقرة مهمة تتباهي بما أسمته بـ"الجرح التركي الذي سيظل ينزف" من جراء الإهانة الإسرائيلية للسفير التركي وأن الرسالة التي أرادتها إسرائيل قد وصلت وأن الجرح الذي أحدثته سيبقي أثره لفترة طويلة وأن "الهدف منها قد تغلغل في نفوس كبار المسئولين الأتراك، بمن فيهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. فقد أدركوا أنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء مع إسرائيل، وأن مواقف تركيا المعادية لإسرائيل ستؤدي بهذه الدولة إلي خسارة إسرائيل من جهة، وفقدان الشرعية في الساحة الدولية من جهة أخري".
التقرير تعمد التركيز علي أردوغان وعدد تصرفاته التي اعتبرها معدو التقرير تدخلا في باب "اللا سامية" وقال إنه لا يفعل ما يفعله عبثاً أو بشكل عاطفي بسبب أحداث الحرب الأخيرة علي غزة بل "لأنه يتعمد هذا الهجوم النابع من قناعاته الأيديولوجية، ولأنه يستخدمه في سياساته الرامية إلي كسب العالم العربي والإسلامي بشكل عام وإلهاء شعبه في تركيا عن إخفاقاته في سياساته الاقتصادية والاجتماعية".
وهكذا يتواصل رقص الذئاب في وقت يقف العرب مشدوهين غير مصدقين ما يرونه وما يسمعونه ولا يجدون ما يصفون به غير "لغز" العلاقات التركية ـ الإسرائيلية في زمن تراجعت فيه الألغاز لتفسح الطريق أمام عالم جديد مفعم بالحقائق الدامغة وفي مقدمتها أن المصالح الوطنية أولاً، والكرامة والعزة الوطنية ثانياً عاملان يحكمان علاقات الدول ويحددان معالم تفاعلاتها إن كانت رقصاً أم قتلاً واغتيالاً حسب ما تفرضه موازين القوي واعتبارات المصالح خاصة في إقليم مثل الشرق الأوسط الذي أصبح وادياً للذئاب
Share:

0 commentaires:

Post a Comment

Popular Posts

ما هو افضل مسلسل لسنة 2020 ؟
مسلسل الهندي مملكة الحب
مسلسل تركي الحفرة
مسلسل وادي الذئاب
Created with Quiz Maker

Blog Archive

Pages

Theme Support